هل يجوز لمسلم أن يُسلم نفسه لدولة طاغوتية؟؟ أبو عبد الله المقدسي المسؤول الشرعي لتنظي

بسم الله الرحمن الرحيم



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


هذا المقال منقول عن موقع القابضون على الجمر


لقد وجه إلينا بعض الإخوة الكرام سؤالاً وخُلاصته


(هل يجوز لمسلم أن يسلّم نفسه لدولة طاغوتية مرتدة ويسجن لمدة شهر تقريباً ثم يخرج من السجن وليس عليه شيئ؟؟
لأن هناك بعض الشباب المسلم يريد تسليم نفسه للدولة وقد أفتى لهم بعض المشايخ بجواز هذا الأمر وهؤلاء المشايخ ليسوا بأهل جهاد).


ولكن قبل الإجابة عن هذا السؤال أطلب ممن يريد أن يُسلم نفسه لدولة مرتدة أو كافرة عليه أن يتأمل هذه الأسئلة والأجوبة كي تتضح له الأمور ويكون على بصيرة وبينة:


أولاً : ما أول واجب على المسلم؟؟


والجواب : إعلموا إن أصل دين الله هو التوحيد، وإن العبرة بتحقيق المعاني لا الألفاظ قال تعالى: {ولقد بعثنا في كُلِ أُمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل: 36].
أصل دعوة كل الأنبياء هي عبادة الله والكفر بالطاغوت إن كان الطاغوت بشرا أم شجرا أم حجرا أم قانونا . فالمشكلة تكمن في أن الناس أصبحوا يدعون بنصف هذه الآية فقط وهي عبادة الله أما الكفر بالطاغوت وبغضه ومحاربته وكرهه والتحذير منه فهذا ما لا أراه في من يريد تسليم نفسه للطواغيت.
والإنسان لا يصير مؤمناً بالله إلاَّ بالكفر بالطواغيت ومعاداتهم، ومعاداة كل الصفات الطاغوتيه وأهلها ومن يُروج لها من أهل الردّة والنفاق, وليس بأن يذهب مختاراً عند هؤلاء الطواغيت ويُذل نفسه لهم ويركن اليهم.قال الإمام ابن عقيل رحمه الله: (إذا أردت أن تعرف محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى ازدحامهم في أبواب المساجد، ولا إلى ضجيجهم بِلبيك، ولكن أنظر إلى مواطأتهم لأعداء الشريعة) .الدرر السنية 8/299 , 300.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (فالله، الله، إخواني: تمسكوا بأصل دينكم أوله وآخره، أُسُه ورأسه، وهو: شهادة أن لا إله إلاَّ الله؛ واعرفوا: معناها؛ وأحبوا أهلها، واجعلوهم إخوانكم، ولو كانوا بعيدين؛ واكفروا بالطواغيت، وعادوهم، وابغضوا من أحبهم، أو جادل عنهم، أو لم يكفرهم، أو قال ما عليّ منهم، أو قال ما كلفني الله بهم، فقد كذب هذا على الله، وافترى؛ بل: كلفه الله بهم، وفرض عليه الكفر بهم، والبراءة منهم؛ ولو كانوا: إخوانه، وأولاده؛ فالله، الله، تمسكوا بأصل دينكم، لعلكم تلقون ربكم، لا تشركون به شيئاً؛ اللهم توفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين) الدرر السنية 2/119 , 120.
هذه هي نصيحتي فتأملوها جيدا ولا تجعلوا للشيطان عليكم سبيلا.


ثانياً : لماذا أريد تسليم نفسي؟؟


أمن أجل أن أعيش منعماً في دنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة أسلم نفسي لأعداء الله جل جلاله ؟؟ هل يا إخوة هذا هو منهج التوحيد والجهاد ؟؟ وهل هذا هو منهج الصحابة الكرام؟؟؟ وهل تسليم الشخص نفسه للطواغيت فيه خدمة لدين الله أم تراجع عن دين الله؟؟ وهل دين الله سينتصر بمثل من يفكر بالتراجع عن مواجهة الطواغيت ويعيش منعّماً في هذه الدنيا الدنية؟؟
وأريد ان أسأل كل من يريد أن يُسلم نفسه للطواغيت هل انتهى زمن الجهاد وأصبح الدين كله لله؟؟؟ وهل خرج اليهود من بيت المقدس وخرج عُباد الصليب من بلاد المسلمين؟؟ وهل حُكمت البلاد الإسلامية بشرع الله؟؟ وهل لم يعُد هناك بلاداً مُحتلة من قبل الكفار؟؟ ورُغم كل هذه المحن تريد يا مسلم أن تستسلم للطواغيت فأي مسلم أنت؟؟؟


ثالثاً: ما هو المقابل من تسليم نفسي للطواغيت؟؟


الطواغيت يشترطون شروطاً ما أنزل الله بها من سلطان لمن يريد أن يُسلّم نفسه اليهم وفي هذه الشروط يكون للكفار سبيلاً عليكم والله جل جلاله يقول :
{... وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }النساء141
فهم يشترطون على كل من يريد تسليم نفسه أن لا يتكلم بالجهاد وأن لا يقتني السلاح ولا يعمل بإعداد العدة ولا بقتال المرتدين ولا الدفاع عن المجاهدين ويشترطون على من يريد تسليم نفسه للطواغيت أن لا يُدرّس منهج أهل الجهاد وأن يتبرء من أعمال وأقوال المجاهدين وغيرها من الشروط التي يصبح بها المسلم أذل من الذليل.ولأن أسلوب المخابرات أسلوب شيطاني خبيث قد يقع من سلّم نفسه في حبائلهم ويدُل على إخوان له في المنهج لم يكن يعرفهم العدو , فيكون سبباً في مطاردة الإخوة وسجنهم أو قتلهم فإنا لله وإنا اله راجعون.


رابعاً:هل هذا يا أخي هو مفهموم الصبر على المحن والبلاء؟؟


اعلموا بأن التنعم بكل الدنيا لا يساوي التنعم ثانية في الجنة وأن عذاب الدنيا لا يساوي عذاب ثانية في جهنم, فالعاقل من تحمل عذاب الدنيا من أجل رضى الله والعاجز من ركن للطواغيت ولم يصبر على قليل من الأذى.
فهذا سيدنا بلال بن رباح يُعذب في بطحاء مكة ويقول للطواغيت أحد أحد إغاظة لهم فلم يستسلم لهم ولم يرضخ لمطالبهم رحمه الله ورضي الله عنه.
وهذا سيد قطب رحمه الله وتقبله الله في الشهداء يُعرض عليه أن يكتب رسالة واحدة للعبد الخاسر المسمى (بجمال عبد الناصر) يعترف بها بهذا الرئيس المرتد ويُطلق سراح الشيخ ومن معه وإذا لم يفعل ذلك يُحكم على الشيخ بالإعدام في الحال , أتعلمون ماذا قال هذا الأسد العملاق الذي رفض ان يكتب حرفاً واحداً للطاغوت قال رحمه الله (إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم طاغية)
نعم هذا هو معنى الثبات على الحق وعدم الركون للظالمين.


خامساً: هل تأخذون فتاويكم من علماء الدولار والدينار؟؟


عن النعمان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْا ، قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ، فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ خَفَضَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ حَدَثَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ ، ثُمَّ قَالَ : ( أَلَا إنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ ، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهمْ ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَا أَنَا مِنْهُ ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهمْ وَلَمْ يُمَالِئْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ ...) حَدِيثٌ حَسَنُ ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مُخْتَصَرًا.
إيّاكم وعلماء الضلال ومشايخ السوء فهم الذين يُعينون الحكّام على ظلمهم ويعتاشون من جيوبهم ويأكلون الخبز بلا إله الا الله ونحن نواجه ردة الحكام ونُقتل من أجل لا إله إلا الله فشتان بين علماء الفنادق وعلماء الخنادق وشتان بين من حمل منهج السلامة ومن حمل سلامة المنهاج.
إياكم يا إخوة التوحيد أن تأخذوا فتاويكم من العلماء المرجفين الذين باعوا دينهم بدنياهم ولم يُغبروا أرجلهم يوماً في سبيل الله فإنّ الأمة تعيش حياة الذل بسبب علماء المارينز وفتاويهم الضالة المضلة.
فهم يُلبّسون على الأمة دينها ويُنزلون فتاويهم على غير واقعها فتارة يقولون للشباب المسلم بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية سلّم للكفار أبو جَندل وأبو بصير فهم يُفتون بجواز تسليم المسلم نفسه للكفار بهذه الحادثة.
نعم الحادثة أوردها أهل الحديث ولكن كما قال الإمام ابن حزم وابن العربي المالكي وغيرهما بأن فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الحادثة هو خاص به لا يجوز لأحد من بعده أن يُسلم مسلماً لكافر لذلك قال أهل العلم بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي بصير (...وإن الله جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا) وهذا لا يكون إلا بوحي وهو خاص برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فالمشكلة أن علماء السوء يأتون بالدليل ويُنزلونه على غير واقعه ومن أراد المزيد فليقرأ فتاويهم في مسائل الجهاد والحكم والسياسة ليرى العجب العُجاب.
يا أهل التوحيد عليكم أن تسألوا أهل الجهاد في مسائل الجهاد فقد قال الإمامان أحمد بن حنبل وابن المبارك رحمهما الله " إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغور فإن الحق معهم لأن الله يقول { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )الفتاوى (28/442)



أخيراً أُجيب عن السؤال فأقول مستعيناً بالله:


بأن المسلم لا يجوز له أن يُسلم نفسه للكفار أو المرتدين لأن هذا يُعتبر ركوناً للظالمين والله جل جلاله يقول :
{وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }هود113
روي انه جاء خيّاط إلى سفيان الثوري فقال: إني رجل أخيط ثياب السلطان، هل أنا من أعوان الظلمة ؟
فقال سفيان: بل أنت من الظلمة أنفسهم، ولكن أعوان الظلمة من يبيع منك الإبرة والخيوط.
وهذا كان في زمان الحاكم يحكم بالإسلام وعنده بعض الأخطاء والمعاصي فكيف بحالنا اليوم؟.
واسمع أخي ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية
(وقد قال غير واحد من السلف أعوان الظلمة من أعانهم ولو أنهم لاق لهم دواة أو برى لهم قلماً ومنهم من كان يقول بل من يغسل ثيابهم من أعوانهم...) مجموع الفتاوى، الجزء 7، صفحة 64
فالمسلم عندما يُسلّم نفسه للطواغيت يكون قد وقع بالركون الواضح الجلي.


والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
(لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه"، فقيل: وكيف يذل نفسه؟، قال: يتعرض من البلاء ما لا يطيق)
رواه الترمذي و قال:حسن غريب، و ابن ماجة وإسناده صحيح، و ابن كثير في تفسيره واحتج به.


قال الإمام الحليمي أَبو عبد الله (338-403هـ)، شيخُ الشَّافِعِيِّين بِما وراء النَّهر:
(لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه للفاسق كما لا ينبغي للمسلم أن يذل نفسه للكافر فإنه لا يذل نفسه بذلك ، وإنما يذل الدين الذي يحمله " انتهى كلامه.


نعم يا إخوة التوحيد هل يوجد ذُلاً أشد من أن يُسلم المسلم نفسه لطواغيت العرب ولأجهزة مخابراتهم العفنة كي يفتنوه عن أصل دينه ويجعلونه أداة في أيديهم.... وللعلم فإن أجهزة المخابرات في التحقيقات يسبّون الله ورسوله ويستهزئون بدين الله وهذا الأمر معلوم لعامة الناس فكيف سيكون موقفك يا من تريد أن تُسلم نفسك لهؤلاء وهم يسبّون من تعبد وله تُصلي وتسجد؟ وأنت تعلم بأنك ذهبت اليهم مختاراً وليس مكرهاً... فهل سيبقى لدين الله عندك مقام بعد هذا؟؟؟


وبارك الله بكم وجزاكم الله كل الخير وحفظ الله المسلمين من الركون للطواغيت .


أخوكم أبو عبد الله المقدسي
غفر الله له



ملاحظة: هذا السؤال وجهناه لعدة مشايخ كرام منهم أبو بصير الطرطوسي وأبو مسلم الجزائري وأبو سعد العاملي وأبو أحمد عبد الرحمن المصري وغيرهم فأجابوا بحرمة أن يُسلّم المسلم نفسه للطواغيت وسوف نستأذن مشايخنا الكرام بنشر فتاويهم وننشرها لكم بإذن الله.