ماذا خسر الامريكان بحربهم على "الإرهاب"؟؟؟!!!!

طالما كنت أشبّه جورج بوش بالزير سالم المهلهل في ما يدعوه الحرب على الارهاب فالزير سالم وضع أحد شرطين لإنهاء حرب البسوس مع بني بكر اولها اما ان يعيدوا أخيه كليب حيّا او ان يقتل بني بكر حتى يفنيهم عن بكرة أبيهم ...والزير سالم كان يعلم علم يقين ان أيّا من هذين الشرطين لن يتحقق وبالتالي فإن حربه لن تنتهي وستستمر حتى اخر يوم في حياته ...وكذلك فإن جورج بوش وضع تعريفا مطاطيا ومرنا للإرهاب بحيث يستطيع ان يحارب كل من يعارض امريكا او كل من ليس معها كما صرح هو نفسه بذلك ...وهو يعرف انه بهذه الطريقة ستستمر الحرب حتى لو انتهى هو سياسيا لان من يأتي بعده سيتهم في ولائه لامريكا ان هو أبطأ مسيرة هذه الحرب او تراخى فيها وستكون التهمة جاهزة له في انه لا يحافظ على الامن القومي الامريكي وبالتالي اما ان ينتهج استراتيجية بوش او ان يسقط في الانتخابات ويأتي الرئيس الذي يقدر ان يكمل مسيرة هذه الحرب.
وفي ظل التجييش غير المسبوق لشرعية هذه الحرب ودعم أغلبية الامريكيين لها وتصريح جورج بوش في ان واحدا من أهداف حربه على الارهاب هي قطع الطريق على الارهابيين في تغيير قيم امريكا الديمقراطية يبرز السؤال التالي وهو : ماذا خسر الامريكان بحربهم على الارهاب خصوصا في جانب القيم الديمقراطية التي تعهد جورش بوش بحمايتها من الارهابيين؟؟؟!!!.

بمراجعة أحداث الخمس سنوات الماضية منذ اعلان هذه الحرب نجد ان الامريكان قد خسروا هذه الحرب فعليا وخصوصا في جانب القيم الديمقراطية التي تناقشها هذه المقالة .....فجورج بوش في محاولته الدفاع عن قيم امريكا الديمقراطية نجده قد وجّه ضربة قاصمة لها وتراجع عن كثير منها بحجة محاربة الارهاب ...بمعنى آخر انه وقف الى جانب "الارهابيين" في هزيمة القيم الديمقراطية من حيث يدري او لا يدري ...والامثلة على ذلك كثيرة ومنها:
· مراقبة المكالمات الهاتفية : فحرية المكالمات الهاتفية كانت تعتبر خطا احمر لا يجوز تجاوزه تحت اي ظرف كان الا بصدور قرار قضائي يبيح ذلك وفي حالات خاصة معدودة ...فأصبحت مكالمات الامريكان اليوم تخضع للرقابة على مدار الساعة.
· مراقبة الحسابات المصرفية : فالحسابات المصرفية كانت تعتبر سرية جدا ولا يجوز الاطلاع عليها الا لصاحب العلاقة تحت بند المساءلة القانونية لمن ينتهك ذلك ولكننا نجد ان هذه الحسابات بعد مرور خمس سنوات على الحرب قد اصبحت تحت سمع وبصر الاجهزة الامنية الامريكية بحجة الحرب على الارهاب.
· عيش الامريكان الدائم في حالة الرعب المستمر : بحيث اصبحوا يشكّوا في كل شخص له هيئة خاصة ولم يعودوا يأمنون في الذهاب الى اي مكان داخل امريكا او خارجها وباتوا يتوقعون هجوما في اية لحظة من عدو لا يدرون ماهيته وفق ما صوره لهم المحافظون الجدد وجورج بوش.
· إعتداء الاجهزة الامنية الامريكية على حرية الافراد في اي وقت يشاؤون ولأقل شبهة : بحيث لم يعد الفرد قادر على العيش حياة طبيعية دون تصوره لهاجس القبض عليه في اية لحظة بذريعة مكافحة الارهاب.
· حصول الرئيس جورج بوش على صلاحيات واسعة لم يكن مسموحا بها سابقا قبل الرجوع الى الكونجرس مثل اعلان الحرب والطوارئ وغيرها من السلطات التي اطلقت يده في استباحة الحرية الامريكية.
· قلة الموارد المالية الموجهة الى التنمية الداخلية لامريكا بسبب زيادة حجم ميزانية وزارة الدفاع الامريكية بحجة مواجهة التهديدات المحتملة والدخول في حروب استباقية عديدة واستحداث العديد من الاجهزة الامنية الجديدة مما أثّر بدوره على رفاهية المواطن الامريكي خصوصا مع وجود عجز في الموازنة يزيد عن الـ 2 ترليون دولار بعد ان كان لديها فائضا في الميزانية قبل استلام جورج بوش الرئاسة في عام 2001 .
· إستبدال مفخرة تمثال الحرية بوصمة عار سجن غوانتنامو : فلم يعد الناس في هذا العالم يذكرون امريكا الا ويذكرون معها هذا السجن سيء السمعة حتى من اقرب حلفائها بعد ان كان تمثال الحرية هو الدليل على حرية امريكا.
· إستبدال الاعجاب لكل ما هو أمريكي بزيادة الكراهية لكل ما هو امريكي : فأصبح الامريكي على الاغلب منبوذا في كل دول العالم حتى تتطلب الامر منها ان تنشئ وحدة خاصة لتجميل صورة امريكا لدى العالم من جديد وكذلك اصدارها ادلة ارشادية سلوكية لمواطنيها لكي يتصرفوا على اساسها ويقللوا من هذه الكراهية لدى شعوب الارض قاطبة.
· عزوف كثير من الكفاءات عن السفر الى امريكا خصوصا بعد المضايقات التي اصبح يتعرض لها المهاجرون في المطارات وفي العيش بإستقرار وطول اجراءات اصدار التأشيرات مما كان له الأثر السلبي على التنوع والحيوية داخل المجتمع الامريكي الذي كان احد صفاته الرئيسية وحدا بالجامعات الامريكية ان يحتجوا على مثل هذه الاجراءات لانه حرمهم من مناجم الكفاءات التي كان لها الدور الابرز في اثراء البحوث والمخترعات فيها.

من مجمل القضايا السابقة يتبين مقدار الهزيمة التي لحقت بالقيم الامريكية الامر الذي يشكل بداية الهزيمة لأمريكا لانها تخلت عن مجموعة من القيم كانت تعتبر نبراس لعدد غير قليل من الناس في هذا العالم وبنفس الوقت فإنها تدق جرس انذار للامريكيين لتدارك الامور وعدم الانغلاق وراء الخوف والرعب من "الارهابيين" المفترضين وازالة جميع القيود التي وضعت بعد عام 2001م بحجة الحرب على الارهاب واعادة المجتمع الى حيويته ومرونته واولى هذه القيود في اعتقادي هي التخلص من جورج بوش ومحافظيه الجدد وتغيير السياسة الخارجية واستراتيجية الامن القومي بحيث تتعامل مع جميع الدول والناس في هذا العالم على اساس الاحترام المتبادل والتعايش المشترك دون التدخل في شؤون الدول الداخلية ودون دعم جهة ضد اخرى وخصوصا إسرائيل والصهيونية العالمية.